تشتهر القارة الأفريقية بوفرة مواردها من الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتوفر منطقة أشعة الشمس الشاسعة في الصحراء الكبرى ظروفًا فريدة لتطوير الطاقة الكهروضوئية، في حين يوفر ساحل أفريقيا الطويل مكانًا مثاليًا لتطوير طاقة الرياح البحرية. وتوفر هذه الموارد الطبيعية أساسًا متينًا لأفريقيا لتحقيق حلول الكهرباء الخضراء.
تتركز موارد الفحم والنفط والغاز في أفريقيا بشكل رئيسي في عدد قليل من البلدان مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وليبيا والجزائر وأنغولا وغيرها، في حين تعتمد معظم البلدان بشكل كبير على الوقود الأحفوري المستورد. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب تأخر قدرة صناعة التكرير الخاصة بها، فإن النفط المكرر في الدول المنتجة للنفط الرئيسية مثل نيجيريا وأنغولا يعتمد أيضًا بشكل كبير على الواردات، مما تسبب في تحمل معظم البلدان الأفريقية لضغوط هائلة على تكاليف الطاقة التقليدية. في عام 2022، تسبب اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا والسياسة النقدية المتساهلة للدول الغربية في ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية الدولية، مما شكل تأثيرًا خطيرًا على التنمية الاقتصادية لمعظم البلدان الأفريقية.
وعلى نحو مماثل، تشهد تكلفة توليد الطاقة الجديدة في أفريقيا اتجاهاً هبوطياً مستمراً. ففي بعض البلدان والمناطق، تكون تكلفة توليد الطاقة الجديدة أقل من تكلفة توليد الطاقة التقليدية، وهو ما يشير بلا شك إلى أن تكلفة توليد الطاقة الجديدة سوف تنخفض بشكل كبير في المستقبل. ووفقاً لأحدث تقرير "توقعات الطاقة في أفريقيا 2022" الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، فمن المتوقع بحلول عام 2030 أن تنخفض تكلفة الكهرباء الكهروضوئية في أفريقيا إلى ما بين 0.018 دولار/كيلوواط ساعة و0.049 دولار/كيلوواط ساعة، وهو ما سيكون أقل بكثير من تكلفة الكهرباء الحالية ومن المتوقع أن يكون أقل من تكلفة توليد طاقة الرياح أو الغاز الطبيعي. وبالنسبة لبعض البلدان الأفريقية التي تعاني من عدم استقرار إمدادات الطاقة وعدم كفايتها، تستخدم الشركات مؤقتاً مولدات الديزل لتوليد الكهرباء، بتكلفة تصل إلى 1 دولار/كيلوواط ساعة. إن الاستخدام الواسع النطاق للطاقة الجديدة ليس مجديًا اقتصاديًا فحسب، بل إنه يتجنب بشكل أكثر فعالية تأثير تقلبات أسعار الطاقة الدولية على الاقتصاد الأفريقي مقارنة بالطاقة التقليدية، ويوفر دعمًا أكثر استدامة وموثوقية وأمانًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
في الوقت الحاضر، نجحت بعض القرى الأفريقية في إنشاء أنظمة توليد الطاقة الكهروضوئية، مما مكن السكان المحليين من استخدام الأضواء الكهربائية للقراءة في الليل، واستخدام الكهرباء للطهي والتدفئة، وحتى العيادات الصحية يمكنها استخدام الأجهزة الطبية البسيطة لتوفير الرعاية للمرضى. لم يؤدي تنفيذ هذه المشاريع إلى تحسين نوعية حياة السكان المحليين بشكل كبير فحسب، بل عزز أيضًا بشكل كبير تنمية الاقتصاد والمجتمع المحليين.
ومن بين الحالات الناجحة، مشروع قرية مالي للطاقة الشمسية التجريبية، الذي نفذته شركة مجموعة الهندسة الجيولوجية الصينية المحدودة، والذي قام بتركيب 1195 نظامًا شمسيًا منزليًا خارج الشبكة، و200 نظام لإضاءة الشوارع بالطاقة الشمسية، و17 نظامًا لضخ المياه بالطاقة الشمسية، ونظامين لإمداد الطاقة الشمسية المركزة في قرية كونوبرا وقرية كالانج في مالي، مما يوفر إمدادات كهرباء نظيفة وموثوقة لعشرات الآلاف من السكان المحليين.
علاوة على ذلك، أصبحت محطة الطاقة الكهروضوئية في جاريسا التي بنتها شركات صينية في كينيا أكبر محطة للطاقة الكهروضوئية في شرق إفريقيا. وتصل القدرة المركبة لمحطة الطاقة إلى 54.66 ميجاوات، وهو ما يمكن أن يلبي احتياجات 70 ألف أسرة من الكهرباء بإجمالي أكثر من 380 ألف شخص. وفي الوقت الحاضر، تم ربط محطة الطاقة بنجاح بشبكة الكهرباء الوطنية الكينية، مما لعب دورًا مهمًا في تحسين الإنتاج وظروف المعيشة للناس في الجزء الشمالي من البلاد.
وقال هانينجتون جوتش، الخبير من شركة كينيا للكهرباء الريفية والطاقة المتجددة، إن إمدادات الطاقة المستقرة والكهرباء منخفضة التكلفة قدمت دعمًا مهمًا لتنمية جاريسا والمناطق الأخرى، وعززت تنمية الصناعة والتجارة، وخلقت المزيد من فرص العمل للسكان المحليين. كما استفاد المطعم الصغير الذي تديره المقيمة المحلية إليزابيث وانيكو من إمدادات الطاقة المستقرة، مما أدى إلى تمديد ساعات العمل وزيادة الدخل.
وفي الوقت الحاضر، يوجد أكثر من 100 مشروع للطاقة الخضراء في إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي، الأمر الذي ضخ حيوية في التحول الأخضر في أفريقيا. وأشار الخبير الاقتصادي الزيمبابوي بريانس موشيموا إلى أن أفريقيا استفادت بشكل كبير من صناعة الطاقة الخضراء في الصين، وخاصة منتجات الطاقة الخضراء ذات الأسعار المعقولة والجودة العالية، مثل الألواح الشمسية والبطاريات.
وقال رودا واجيرا، المسؤول ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن التعاون مع الصين يمكّن الدول الأفريقية من الحصول على التكنولوجيا المتقدمة والدعم، وهو أمر بالغ الأهمية لنجاح التحول في مجال الطاقة. وفي المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، عززت الصين وأفريقيا تعزيز مشاريع الطاقة النظيفة المبتكرة على نطاق صغير، مع التركيز على مشاريع الطاقة الشمسية الصغيرة والمتوسطة الحجم في المناطق النامية في أفريقيا.
ويعتقد ماركو لامبرتيني، المدير العام السابق لصندوق الحياة البرية العالمي، أن البنية التحتية الصغيرة مثل شبكات الطاقة الصغيرة يمكن أن تصبح حلاً معقولاً للطاقة في المناطق الريفية في أفريقيا والعديد من المناطق النائية الأخرى في العالم.
وقال يانغ باو رونغ، مدير وباحث في مكتب البحوث الاقتصادية بمعهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الصين زودت أفريقيا بتقنيات ومنتجات الطاقة الخضراء عالية الجودة ومنخفضة التكلفة، مما يجعلها في متناول المزيد من الشعوب الأفريقية. وسيساعد التعاون بين الصين وأفريقيا في مجال الطاقة الخضراء الدول الأفريقية على تحويل إمكانات مواردها الضخمة إلى نمو اقتصادي حقيقي. وأكد أن المزايا الصناعية للصين واستعدادها للتعاون في صناعة الطاقة الجديدة من شأنه أن يعزز مستوى التنمية في أفريقيا في هذا المجال. وستتغلب الصين وأفريقيا معًا على تحديات تغير المناخ وتتحركان نحو مستقبل أنظف ومستدام ومزدهر.